إن البشرية اليوم في حاجة ماسة إلى منقذٍ لها من الحضيض الذي وصلت إليه، وفي حاجة ماسة إلى هادٍ لها ليخرجها من دركات الجهل والضلال إلى درجات الوعي والإيمان، وهي في حاجة شديدة إلى من يأخذ بيدها إلى الله ــــ تبارك وتعالى ــــ وإلى الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، ولن يسعف هذه البشرية إلا الأمة الشاهدة، القائمة بالحق، المتصلة بالقرآن والسنة، ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الحج : 78] ولن يداوي جراح البشرية إلا الأمة الوسط التي أخذت على عاتقها التضحية والفداء في سبيل إصلاح البشرية والعودة بها إلى طريق الحق وإلى الصراط المستقيم ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا…﴾ [البقرة:143].
وهذه الخصوصية من خصوصيات هذه الأمة، أمة الإسلام، ولا يمكن أن تسعد البشرية – مهما أوتيت من الحضارة والعلم والتقدم – الا بالشرع الرباني الذي من تمسك به نجى، ومن سار عليه سعد في الدنيا والآخرة، ولا يحمل هذا المنهج الرباني الا أمة الإسلام التي قال فيها ربنا سبحانه ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران:110] فعلى الأمة الإسلامية مسؤلية كبيرة تجاه نفسها أولا ثم تجاه البشرية جمعاء ثانيا، لأنها الأمة الوحيدة التي بيدها مفتاح السعادة ومنهاج الخلاص، وهو كلام الله تعالى الذي لم يتبدل ولم يتغير ولم يتعرض للتحريف والتنقيص ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9] ولا توجد فوق الأرض أمة تملك رسالة صادقة، ودعوة ربانية نقية لم تلعب بها يد البشر سوى هذه الأمة، الأمة الوسط الشاهدة.
ولكن الأمة لم تًعُدْ تقوم بدورها في الحياة، ولا تؤدي رسالتها على الوجه المطلوب، وأصبح الظلمة يفسدون في الأرض، ويديرون رحى الحياة وفق مصالحهم، فميدان الحياة تديره مجموعة من الظلمة والطغاة، وشرذمة من الفسدة والمخربين، تحركهم الأهواء والمصالح الشخصية. ونتيجة لذلك فإن العالم يعاني من الظلم والقهر والبطش، ويعيش حياة مليئة بالظلم الذي حرمه الله تعالى على نفسه وجعله محرما بين عباده، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا» [مسلم والترمذي] فالله تعالى حرم على نفسه ظلم عباده ومخلوقيه ؛ كما قال عز وجل: ﴿وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [ق: 29]، وقال: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 108]، وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا﴾ [يونس: 44] فالإنسان هو الذي يظلم أخاه الإنسان، ويسفك دمه بغير حق، ويدمر حياته ووطنه من أجل حساباته ومصالحه، وهذا الظلم الذي يقع في الحياة الدنيا ظلمات وندامة وخزي يوم القيامة، قال – ﷺ -: «اتَّقوا الظلمَ؛ فإنَّ الظلم ظلماتٌ يومَ القيامة، واتَّقوا الشُّحَّ؛ فإنَّ الشح أهْلَك مَن كان قبلكم، حمَلهم على أن سَفَكوا دماءَهم واستحلُّوا محارمَهم)» [رواه مسلم] وجعل الإسلام الأمة التي تخرج مقارعة الظالمين من حياتها، وتخاف من قول الحق عندهم في عداد المفقودين، وتصنف في قائمة المهملين والمحذوفين، «إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودّع منهم» [رواه الحاكم في المستدرك] فأي خير يرجى من أمة لا تقف موقف الحق؟ ولا تأخذ على يد الظالم؟ ولا توقفه عند حده ؟.
ويعاني من العنصرية النتنة التي مقتها رسول الله ﷺ وأعلن الحرب عليها، وجعلها من دعوى الجاهلية، فعن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ ـــ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَاــــ قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ، فَكَسَعَ [ضرب باليد أو بالرجل] رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ!! وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ!!
فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَة«. كما صحح الفهم الخاطئ في نصرة الأخ والعشيرة، فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ» [رواه البخاري: 2444] كما قضى على التفرقة في اللون واللغة، وجعل معيار التقاضل التقوى والصلاح، فقال النبي صَلَّى ﷺ: «لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى» [رواه أحمد: 22978] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13] ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ [الروم: 22] والعالم اليوم يشهد الجرائم الفظيعة التي ترتكب ضد الانسانية لأجل عرقه ودمه ولونه وجنسيته.
كما تعاني البشرية من المادية الطاغية والرغبة في الثراء الفاحش، والحرص المهلك، التي جعلت من بعض البشر ذئابا بشرية تأكل لحوم البشر وتمص دمائهم وأموالهم، والطمع المادي جعلهم يخططون لاحتلال الأرض ونهب الثروات، ويصطنعون حروبا لبيع أسلحتهم وتجريبها بلا أخلاق ولا قيم، وبأسلحتهم ومكرهم يُقتل الآلاف من البشر، وخصوصا من المسلمين، والذي يريد أن يرى هذا الأمر بأم عينيه فلينظر إلى سوريا والعراق وفلسطين المحتلة كيف دمروا ونهبوا وقتلوا وهجروا؟ ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32] والمادة عند البعض صنم يعبد من دون الله تعالى.
والأخطر من ذلك كله هذه الحرب على الإسلام والمسلمين من قبل الغرب وأذنابهم وحلفائهم، ومن قبل الشيعة الذين يكنون كل حقد وغل على أهل السنة والجماعة، ومن قبل الصهاينة الذين يحتلون فلسطين والمسجد الأقصى المبارك ويقتلون ويفسدون في الأرض، ومن قبل بعض المنتسبين إلى الإسلام الذين يعملون لصالح الأعداء ويقفون مع الظالمين والمجرمين ضد المشرع الإسلامي، وصدق رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا، قُلْنَا: مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ: لا، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ، قِيلَ: وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» [سنن أبي داود:44] هذا الحديث يصور حال المسلمين اليوم أبلغ تصوير، حيث شبههم بغثاء السيل الذي لا نفع فيه ولا فائده منه ولا يصلح للبشر ولا لغيرهم، وللخروج من هذا الوضع المزري لا بد من عودة الأمة إلى وضعها الطبيعي وإلى معينها الصافي وإلى تعاليم دينها الكافية الشاملة، فالأمة الاسلامية لا بد وأن تأخذ مكانتها بين الأمم وتقوم بواجبها الدعوي لإنقاذ البشرية من الخطر المحدق بها، وعند ذلك تكون الأمة هي الأمة الشاهدة والأمة المرشحة لقيادة البشرية نحو السعادة والأمن والاستقرار، وتكون قد بلغت رسالتها وأدت الأمانة التي على عاتقها ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [سورة الروم: 4-5].
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

Bu yazıya yorum bırakmak ister misiniz?