إن مدلول كلمة الجهاد في القرآن الكريم والسنة النبوية مدلول واسع، ويقصد به أنواع كثيرة ، فقد يطلق على القتال واستعمال الساعد والسلاح، وكذلك يطلق على بذل النفس والمال، قال تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [التوبة:41] كما يطلق على قول كلمة الحق والصدع به في وجه الباطل، قال تعالى:﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً﴾ [سورة الفرقان:52] أي: بالقرآن أو بالإسلام، وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ». [أخرجه الإمام الترمذي: 8/345 رقم:2329 وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ].
وحديثنا هذا عن الجهاد بالكلمة وأهميته وتأثيره في صناعة الحياة الربانية التي ينشدها المسلمون. لا شك أن للجهاد بالكلمة أهمية قصوى، ومكانة عظمى بين وسائل الدعوة والجهاد، بل الجهاد بالكلمة لا ينفك عن أي ميدان من ميادين العمل للإسلام، ولا في أي مرحلة من مراحل ضعف الأمة أو قوتها، وهو الأساس المتين والركن الركين في بناء الأمة وإحيائها قديما وحديثا، كما أن جميع الأنبياء -عليهم السلام- دعوا أقوامهم بالكلمة الطيبية والصدع بما جائهم من الوحي والتشريع.
والكلمة الصادقة المعبرة لها تأثير كبير في النفوس، وقد يكون وقعها في القلوب أشد من وقع السيوف والمدافع، ولذا كان الجهاد بالقرآن وتلاوته على المشركين من أشد ميادين الجهاد وأصعبها قال تعالى:﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [سورة الفرقان52] قَالَ الإمام الطبري: فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ فِيمَا يَدْعُونَك إِلَيْهِ مِنْ أَنْ تَعْبُد آلِهَتهمْ، فَنُذِيقك ضِعْف الْحَيَاة وَضِعْف الْمَمَات، وَلَكِنْ جَاهِدْهُمْ بِهَذَا الْقُرْآن جِهَادًا كَبِيرًا ، حَتَّى يَنْقَادُوا لِلْإِقْرَارِ بِمَا فِيهِ مِنْ فَرَائِض اللَّه ، وَيَدِينُوا بِهِ وَيُذْعِنُوا لِلْعَمَلِ بِجَمِيعِهِ طَوْعًا وَكَرْهًا. وعن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله» [المستدرك: 4872 قال الحاكم: صحيح الإسناد]
الجهاد بالقلم
وسائل الجهاد بالكلمة كثيرة ومتعددة، ومن أبرزها الجهاد بالقلم الذي أقسم به الله تعالى: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [القلم: 1]، والقلم في معركة الحق مع الباطل لا يقل أهمية من السيف والبندقية والمدفع والصاروخ، وحينما يكون الجهاد بالقلم ضعيفا فالأسلحة – وإن كانت متطورة – لا تملك شيئا، ولا تصنع نصرا، فالنصر يكون في ميدان القلم قبل ميدان القوة والسلاح. والجهاد بالقلم قد يكون رسالة قصيرة تنبه الغافل وتوقظ النائم، وقد يكون مقالة تزلزل عرش الطغاة وتقض مضاجعهم، وقد تكون كتيبا أو كتابا يشرح الإسلام بأسلوب متميز، أو ينير الطريق لمتردد، أو يرد على شبهات المشككين، وقد يكون لافتة مكتوب عليها «لا للظلم ولا للطغيان»، وقد يكون جريدة أو مجلة أو منشورا تعبر عن هموم الأمة وتدافع عن حياضها، وتساهم في وعيها؛ كل هذه الوسائل وغيرها من أفضل الجهاد في سبيل الله تعالى إن أحسنت الأمة استخدامها، وأجادت فنها، وبرعت في توصيلها.
الجهاد بإلقاء كلمة
ومن أهم أنواع الجهاد بالكلمة الجهاد بالقول، قال عز وجل: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الحجر: 92] وهذا النوع من الجهاد ذو أهمية كبيرة في الدعوة إلى الله تعالى، وكان جهاد الأنبياء عليهم السلام قبل الجهاد الذي بمعنى القتال صدعا بالحق، وبيانا للوحي الإلهي، وإنذارا للناس، ودعوة الى الله عز وجل، قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [سورة النحل : 125]، والجهاد البياني له وسائل كثيرة: منها الخطب والوعظ والدرس والنشيد والشعر وإلقاء كلمة قصيرة في المناسبات، والمؤتمرات، والندوات، والمسرح، والأفلام والمسلسلات، كل هذه وسائل مؤثرة ومفيدة إن أحسن المسلمون صياغتها وقدموها بشكل صحيح ومبدع. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ» [متفق عليه] فالكلمة سلاح مهم في الدعوة والجهاد، كما هو سلاح خطير في وجه الدعوة إلى الله تعالى.
الجهاد بالصور المعبرة
وهناك جهاد من نوع جديد وهو الجهاد بالصور المعبرة، والصورة قد تعبر عن ما لا تستطيع الكلمات أن تعبر عنه، ولا تستطيع الأقلام أن تسطره، والصورة وسيلة حديثة لا بد من استخدامها في توصيل الحق وبيانه، وكشف الباطل وهتكه . وأعداء الإسلام يستخدمون هذه الوسيلة للنيل من الإسلام ، وتشويه صورة المسلمين عبر وسائل الإعلام، من القنوات الفضائية، والانترنت، والصحف والمجلات، والإعلانات، والكتب، كل هذه الوسائل وغيرها تستخدم الصور لغزو الأفكار وإفساد العقول، ما يسمى بالغزو الفكري والثقافي .
الجهاد بالرسوم الكاريكاتيرية
والرسوم الكاريكاتيرية لها تأثير كبير في نقد الظلمة والطغاة، ولها لسان لاذع صامت ، وهي فارس الميدان حيث الكبت وتكميم الأفواه، والكاريكاتير قد يكون أشد تأثيرا من الوسائل التقليدية، وهناك حرب شرسة على المقدسات من قبل بعض المجلات المختصة بالرسوم الكاريكاتيرية، فيجب الرباط والكفاح في هذا الثغر من ثغور المسلمين، لما فيه من الخطر وأهمية الدفاع .
إذًا للكلمة وزنها وثقلها في مسار الدعوة والجهاد والنضال، وكلما أتقن المسلمون هذا الفن من الجهاد اقتربوا من النصر والتمكين، وكلما أخفقوا في هذا المجال ابتعدوا عن النصر والتمكين، وحينما تعرف الأمة قيمة الكلمة وتجيد صناعتها وتقدم النموذج الإسلامي للعالم في ذلك فقد أدت ما عليها من تبليغ الأمانة التي كلفت بها. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى, كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أوزارهم شَيْئًا». [أخرجه الإمام مسلم] .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

Bu yazıya yorum bırakmak ister misiniz?