إن الإيمان بالله عز وجل قوة تجعل الإنسان في هذه الحياة متعاليا على كل المغريات والشهوات والمنافع، قوة تبعث فيه روح العزة وتربي فيه الاعتزاز بدينه وعقيدته، قوة تعلمه أن الخضوع لا يكون إلا لله وحده، قوة تجعل المؤمن يقول لا وألف لا لكل عقيدة غير عقيدة الإسلام.
إن الإيمان حلاوة يقذفها الله في قلوب عباده الذين اصطفاهم لحمل أمانة هذا الدين، واختارهم من بين الأنام للقيام بمهمة الإصلاح، وحملهم مسؤولية الدعوة الى الله عز وجل.
هذا الإيمان هو الذي يغير الأمة وينشئها من جديد ويؤسسها على البر والتقوى في زمن الفساد والانحراف، وبدون الإيمان لا يمكن أن ترى البشرية السعادة والحرية والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة.
ولقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن للإيمان طعماً وحلاوة لا يحسها ولا يتذوقها إلا من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا , عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً. (أخرجه الامام مسلم وأحمد)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من فعلهن فقد طَعِم طعم الإيمان؛ من عبد الله وحده , وعلم أنه لا إله إلا الله, وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه) [أخرجه أبو داود في سننه]
إن الإيمان بالله أساس كل شيء ولب كل عمل وطريق السعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة، الإيمان غذاء كل مصلح في الحياة، وقوت كل مسلم في مواجهة الطغيان والفساد، الإيمان بالله هو الاعتماد والتوكل علىه، والرجوع اليه في كل أمر، والثقة في نصره وتأييده وعونه، والدعوة اليه، والتحاكم الى شرعه في كل وقت وحين.
وأن الإيمان بالإسلام هو الإيمان بأن المنهج الرباني هو المنهج المنقذ للبشرية من ضلالها وفسادها، وأن الاسلام هو الشرع الكامل الذي لا يحتاج الى زيادة وهو الشرع التام الذي لا ينقص أبدا، قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]. و بأن الاسلام منهج كامل للبشرية، ونظام شامل لجميع مظاهر الحياة الى قيام الساعة، وشريعة مفصلة لم تترك صغيرة ولا كبيرة مما يحتاجه الناس.
وأن الايمان بمحمد نبيا ورسولا هو الايمان التام بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله ارسله ليبلغ رسالة الله للعالمين، ويبين لهم احكام الدين، ويفصل لهم ما أوحي اليه من ربه، جعله الله تعالى القدوة الحسنة ، والرحمة المهداة، والسراج المنيّر، جاء هذا الرسول والبشرية في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، فأخرجهم من الظلمات الى النور، ومن الضلالة الى الهدى، ومن الشرك الى الايمان (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين) (الانبياء: ١٠٧)
ولذلك يجب ان يكون الايمان لذة وطعما في القلوب، وحلاوة في الصدور، لا مجرد قول بالأفواه وتناغم باللسان، يقول ابن تيمية رحمه الله : « فإن المخلص لله ذاق من حلاوة عبوديته لله ما يمنعه من عبوديته لغيره، إذ ليس في القلب السليم أحلى ولا أطيب ولا ألذ ولا أسر ولا أنعم من حلاوة الإيمان المتضمن عبوديته لله ومحبته له وإخلاص الدين له، وذلك يقتضي انجذاب القلب إلى الله فيصير القلب منيباً إلى الله خائفاً منه راغباً راهباً « .
ذاق حلاوة الإيمان من عمل لله ودعا الى الله غير مبال بالعقبات، ولا مكترث بالصعوبات.
ذاق طعم الإيمان من جاهد في الله وكافح في سبيل اعلاء كلمة الله حتى أتاه اليقين.
ذاق حلاوة الإيمان من صبر وثبت في سبيل الحق، ووقف موقف الرجال ضد الباطل.
ذاق طعم الإيمان من آثر الله ورسوله والإسلام على نفسه وماله ووقته ودنياه.
ذاق حلاوة الإيمان من هزته أحوال المسلمين في الشرق والغرب، وأطارت من عينيه النوم .
ذاق طعم الإيمان من أخذ على عاتقه تربية الأجيال، وإصلاح الشعوب، وإرشاد المجتمع.
ذاق حلاوة الإيمان هذا المهاجر الذي ترك الدنيا خلفه فرارا بدينه ونصرة للاسلام.
ذاق طعم الإيمان هذا العبد الذي لم يكن له أي قيمة قبل الايمان حين تحدى الجلاد وهو تحت وطأة التعذيب : أحد … أحد.
ذاقت حلاوة الإيمان هذه المرأة التي كانت في قصر فرعون متنعمة مخدومة حين رفعت يديها الى الله عز وجل: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (التحريم: 11)
وهذه المرآة التي ترددت وتقاعست في إلقاء نفسها في الأخدود خوفا على رضيعها، فقال لها الرضيع: اصبري يا أماه فإنك على الحق.
ذاق طعم الإيمان وحلاوته هؤلاء الفتية الذين استعلوا على كل المغريات والجاه والسلطان، وأعلنوا بكل ثقة وثبات وايمان امام الطاغية الجبار ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً ﴾ (سورة الكهف: ١٣-١٤)
ذاق حلاوة الإيمان هذا المجاهد الذي حينما طعن في ظهره وهو يلفظ انفاسه الاخيرة (فزت ورب الكعبة)
ذاق حلاوة الإيمان هذا الأسير الصابر حين قال:
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنوب كان في الله مصرعي
وهذا الشيخ المجاهد حين قال:
ولا أبالي بصلبي على جذعي الردى ان كان مصرعي في الله وفي الدين
وهما يساقان الى حبل المشنقة.
ذاق حلاوة الإيمان هذا العملاق صاحب الظلال حين قال – وهو يتحدى طاغية العصر عندما طلب منه كتابة كلمات يسترحم بها – : إن أصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا واحدا يقر به حكم الطاغية .
ذاق طعم الايمان هؤلاء الذين صمدوا في الميادين بصدورهم العارية في مواجهة الرصاص، وصبروا وثبتوا في الزنازين والمعتقلات وهم يواجهون الإعدام والموت البطيء، وهؤلاء الذين يرابطون في كل الميادين دفاعا عن الاسلام والمسلمين في مواجهة الصهاية والصليبين والخونة والمجرمين.
ما أجمل هذا المعنى من العلامة الشيخ يوسف القرضاوي :
ضع في يدي ّ القيد ألهب أضلعي * * * بالسوط ضع عنقي على السكّين
لن تستطيع حصار فكري ساعةً * * * أو نزع إيماني ونور يقيني
فالنور في قلبي وقلبي في يديْ * * * ربّي .. وربّي ناصري ومعيني
سأعيش معتصماً بحبل عقيدتي * * * وأموت مبتسماً ليحيا ديني
نعم حينما يكون للايمان طعم وحلاوة في القلوب.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
.

Bu yazıya yorum bırakmak ister misiniz?