لقد قَص القرآن علينا قصص الأنبياء وأممهم كما قَص علينا رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قصص السابقين كي نستلهم العبر والعظات، ونستخرج الدروس والفوائد حتى لا نقع فيما وقع فيه السابقون ولا نتعرض لما تعرضوا له.
ومن هذه القصص المؤثرة والعجيبة ما جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأَتَى الْأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ به، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ فأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا، وَجِلْدًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْإِبِلُ، أَوْ قَالَ: الْبَقَرُ، شَكَّ إِسْحَقُ، فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا، قَالَ: فَأَتَى الْأَقْرَعَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ به، فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ، وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْبَقَرُ أو الإبل، فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلًا، فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا، فَأَتَى الْأَعْمَى، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ علي بَصَرِي فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاسَ، فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْغَنَمُ، فَأُعْطِيَ شَاةً وَالِدًا فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِن الْإِبِلِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ الْبَقَرِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ الْغَنَمِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الْأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ قَدْ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي هذا، فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ، وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ، وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ به فِي سَفَرِي، قَالَ: الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ، قَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذُرُكَ النَّاسُ؟ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ المال؟ فَقَالَ: إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، قَالَ: فإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، قَالَ: وَأَتَى الْأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وهيئته، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَى هَذَا عليه هذا، فَقَالَ له: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، قَالَ: فأَتَى الْأَعْمَى فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ: قد انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي، فَقَالَ: قَدْكُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَخُذْ مَا شِئْتَ وَدَعْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بشيء أَخَذْتَهُ لِلَّهِ، فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رُضِيَ عَنْكَ وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ» [أخرجه البخاري ومسلم].
هذا الحديث يرشدنا إلى ما يلي:
إن الابتلاء أشكال وأنواع وهو سنة الله بين خلقه ليمحص الطيب من الخبيث، والصبور من الجزوع، والخير من الشر، وهذا الابتلاء قد يكون نقصا في المال والأولاد، وقد يكون نقيصة في النفس والجاه، كما يكون في بسط النعم وزيادة الثروات (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (الأنبياء: 35) يقول الإمام الطبري: وقوله (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ) يقول تعالى ذكره: ونختبركم أيها الناس بالشر وهو الشدة نبتليكم بها، وبالخير وهو الرخاء والسعة العافية فنفتنكم به. وفي هذا الحديث قصة رجال ابتلاهم الله تعالى في أنفسهم وأموالهم، فأما الأول فابتلاه بالبرص (وهو مرض يصيب الجلد ويتقزز منه الناس) وبالفقر، وأما الثاني فابتلاه بالقرع (أي لاينبت له شعر) وبالفقر، وأما الثالث فابتلاه بالعمى وبالفقر، وهذه هي المرحلة الأولى من الامتحان. ثم ابتلاهم الله تعالى بالنعم عليهم وإذهاب ما بهم من البأس والفقر، حيث أرسل ملكا في صورة بشر، ثم قال لكل واحد منهم: ماذَا تريد؟ وما هو أحب الأموال إليك؟ ثم أعطى كل واحد منهم ما يريد، ولكن المهمة لم تنته.
إنكار النعمة
إن بعض الناس لا يقدِّرون ما هم فيه من النعم، ويعتقدون أنهم حصلوا عليها بعقولهم وذكائهم، وينكرون فضل الله عليهم وأنه هو المنعم والموفق لهم، وهذا الحديث يصور لنا نفسية بعض العباد وكيف ينسون ماضيهم؟ وأنهم كانوا بلا مال ولاجاه،وكانوا بلا قيمة في المجتمع، ثم لما من الله عليهم بالنعم والجاه إذاهم ينكرون فضل الله، كما فعل الأبرص والأقرع حينماجاءهم الملك ثانيا ليبتلهم فقال الأول والثاني: «إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ» إنكار وجحود لكل النعم.
الاعتراف بالنعمة فضيلة
نحن الخلقَ نعيش في كنف نعم الله تعالى وأن الحياة بما فيها من فضل الله علينا، والاعتراف بهذه النعم أول خطوة في طريق الشكر، وشكر الخالق المنعم عبادة لا تجبرها عبادة أخرى، والشكر يكون باللسان وبالاعتراف بأن هذه النعم من المنعم عز وجل، كما ورد في الحديث أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: لمَ تصنع هذا يا رسول الله ؟ وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَاتَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» [البخاري: ٤٥١٣] وفي هذه القصة نجد موقف الأعمى يختلف عن موقف صاحبيه، فهو لم ينس ماضيه ولم يبخل بما في يده وأقر بأن الله منّ عليه برد البصر وأعطاه المال بعد الفقر فَقَالَ: «قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَخُذْ مَا شِئْتَ وَدَعْ مَا شِئْتَ، فَوَ اللَّهِ لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بشيء أَخَذْتَهُ لِلَّه» مهمة العباد شكر المعبود على ما أنعم .
قد نتعرض لهذا الموقف ونحن لا نشعر
وفي هذه القصة عبرة لمن اعتبر، فمن يجزم بأن مثل هذا الابتلاء لا يقع لنا؟ ومن منا في مأمن من مثل هذا الامتحان؟ ومن منا ينجح كما ينجح الأعمى؟ فالابتلاء سنة ربانية في خلقه وهو ماض إلى يوم القيامة، والحياة مليئة بأصناف الابتلاءات، وربما بعض الذين ننهرهم عند السؤال هم أمثال هذا الملك أرصدهم الله لتمحيصنا واختبارنا، فيسقط من يسقط وينجح من ينجح، وكل اختبار إما فوز فيسعد صاحبه وإما رسوب فيشفى.

Bu yazıya yorum bırakmak ister misiniz?