لا يخفى على أحد ما يتعرض له الإسلام من هجوم وحرب سافر، كما لا يختلف اثنان أن الحملة الشرسة التي تشنها القوى المعادية للإسلام والمسلمين إنما هي من أجل القضاء على المشروع الإسلامي الوسطي في العالم الإسلامي ومن أجل القضاء على الإسلام والمسلمين، هذه الحملة التي لا أخلاق لها ولا قيم ولا شهامة، هذه الحملة لا تقل شراسة ولا ضراوة عن الحملات التي تعرض لها الإسلام والمسلمون عبر التاريخ، ولكن اللافت في هذه الحرب القذرة أن جميع القوى المعادية للمشروع الإسلامي وبعض المنتسبين للإسلام والعلم وقفوا صفا واحدا وعملوا جنبا إلى جنب، ولكن هيهات هيهات ما يتمنون ويمكرون، لأن الله تعالى لهم بالمرصاد (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) [الأنفال /٣٠] وأن التاريخ خير شاهد على اجتياز الأمة أصعب الأزمات وأحلك الفترات بعد أن قيض الله تعالى لهذه المهمة رجالا تَرَكُوا بصمات بارزة في تاريخ الأمة الإسلامية. وما هذه الضربات الا دلالة واضحة على إصرار الأمة الإسلامية على المضي في طريقها طريق العزة والحريّة والنهضة، وما هذا العداء السافر إلا علامة على أن الجهات المعادية للمشروع الإسلامي متخوفة على مشروعهم الاستعماري والمصلحي والمادي (إنَّا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) [ غافر /٥١].
ولنضرب أمثلة على ذلك من التاريخ توضح كيف أن الأمة تعرضت لمؤامرات ومكائد – لولا عناية الله تعالى – لاجتثت من جزورها، ومرت عليها محطات حالكة الظلام، وفترات جعلت الأمة في حيرة من أمرها، ولكن الله تعالى نصرهم وأيدهم بعد صبر وصمود وابتلاء، ثم خرجوا من المِحنة أقوياء أعزاء صامدين ثابتين.
في بداية الدعوة الإسلامية وبعد انتشار الإسلام في مكة المكرمة قررت قريش أن تفرض عقوبات اقتصادية واجتماعية على الفئة المسلمة ومن تعاطف معهم من بني هاشم وبني المطلب، وتحالف صناديد قريش على: «ألا يناكحوهم، ولا يبايعهم، ولا يجالسوهم، ولا يخالطهم، ولا يدخلوا بيوتهم ، ولا يكلموهم حتى يسلموا إليهم رسول الله « وعلقوا هذا الميثاق الجائر في جوف الكعبة، وحاصروا المسلمين في شعب ابي طالب، ودام هذا الحصار الظالم ثلاث سنوات، وكاد أن يهلكهم من شدة الضنك والظلم والقهر، ومع ذلك لم يلن للمسلمين قناة بل صمدوا وثبتوا وآثروا الإيمان على كل شيء، فلو قدر للإسلام والمسلمين استئصال لكان الاستئصال في شعب ابي طالب.
وفي الهجرة أبرمت قريش خطتها لقتل محمد صلى الله عليه وسلم والتخلص منه إلى الأبد وهو في بيته، وذلك بأن اتفقت كلمة قريش بعد التشاور على أن يؤخذ من كل قبيلة فتى شجاع ويعطى كل واحد منهم سيفا صارما ويضربوا محمدا ضربة رجل واحد، وبذلك يتفرق دمه على القبائل….. ولكن الله اوحى الى نبيه وأطلعه على المؤامرة فنجاه الله تعالى من بين أظهر المتربصين به والذين جاؤوا لقتله، ولكن لم يهدأ لهم بال بعد نجاة النبي منهم بل وضعوا جائزة مأة من الإبل لمن يأتي به حيّا أو ميتا، وها هو سراقة بن مالك يطاردهم ويتعقبهم أملا في الحصول على الجائزة ولكن الله تعالى أفشل هذه الخطة ايضا بعنايته ونصره ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) [الانفال -٣٠] فوالله لو قدر القضاء على هذه الدعوة لقضي عليها يوم الهجرة، ولكن الدعوة الربانية والفئة المؤمنة أصبحت قوة في المدينة المنورة، وصارت كيانا سياسا يحسب له ألف حساب.
يوم الأحزاب – وما أدراك ما يوم الأحزاب – هذا اليوم الذي أزمعت فيه قريش وحلفائها على اجتثاث محمد واصحابه من المدينة، تواعدوا جميعا على إبادة المدينة والقضاء على الدين الجديد بقيادة محمد صلى الله عليه وسلم، ولنسمع إلى تصوير القرآن للمشهد (وإذ جَاؤُوكُم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ) [الأحزاب/١٠-١٢] والتصوير القرآني يغنينا عن أي كلام، والمشهد برمته يضع أمام الأعين ضخامة الموقف وخطورته. ومع هذا انتصر الحق {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا} [الاحزاب/٢٥]
بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم انتهز المتربصون الفرصة السانحة، ووجدوا من أنفسهم القدرة على مواجهة الدولة الإسلامية بقيادة أبي بكر رضي الله عنه، وأعلنوا صراحة العصيان في صورة منع الزكاة، فما كان من خليفة رسول الله الا أن يعلن الحرب على حركة التمرد والرِّدة، وقال كلمته المشهورة: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه، وتم القضاء على هذه الفتنة التي كادت أن تعصف بالدولة الاسلامية لولا موقف أبي بكر رضي الله عنه .
وها هو احمد بن حَنْبَل يصدّع بالحق في محنة خلق القرآن ويتحمل أنواع العذاب ويصبر في سبيل الحق ويحمل لواء «كلمة حق عند سلطان جائر» وكانت هذه المِحنة والفتنة بأيدي أبناء الأمة وخلفاء الأمة، ولكن ثبات الإمام وصموده وصدعه بالحق رسخ قواعد الحق ومبادئه في أذهان الأمة، ولولا صمود الامام أحمد بن حَنْبَل وثباته في هذه المِحنة لاقتنعت الأمة بأفكار المعتزلة، ولصار الفكر المعتزلي هو المسيطر على عقول الأمة وتفكيرها، ولكن الله تعالى أنقذ الأمة بثبات هذا الإمام وصبره وصموده.
تعالو بِنَا الى عصر الصليبيين، هؤلاء الصليبيون استغلوا تشتت المسلمين وتمزقهم واستولوا على بيت المقدس قبلة المسلمين الأولى، وثالث الحرمين، ومسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبقي في أيديهم قرابة 91 سنة حتى يئس المسلمون من استعادة بيت المقدس إلى حظيرة الاسلام، بل وصل بهم الأمر إلى وهن شديد، وضعف غير مسبوق، حتى رسخ في الأذهان أن اعادة بيت المقدس وتحريره من أيدي الصليبيين الحاقدين أمر مستحيل، إلى أن هيأ الله تعالى لهذه الأمة رجلا تربى على العلم والجهاد والمقاومة، رجلا قال: «كيف أضحك وبيت المقدس أسير؟» رجلا أرسى دعائم الجهاد من جديد، رجلا حرر الله على يديه بيت المقدس من أيدي الصليبيين، وطهر مصر والأزهر من الشيعة الذين يقفون وراء كل عدوان على الإسلام والمسلمين، هذا الرجل هو صلاح الدين يوسف الأيوبي الكردي. وحينما بعث بالرسل ليبشروا الناس بأن بيت المقدس قد حرر من أيدي الصليبيين ما كان أحد يصدقهم ولا أحد يسمع كلامهم من شدة يأسهم وقنوطهم، {والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [يوسف/٢١].
وأما فاجعة التتار فلا تقل فظاعة ولا دموية من غيرها، هؤلاء التتار بقيادة الطاغية هولاكو جرفوا العالم الإسلامي، ودخلوا بغداد، بل ظفروا بدخول مضجع الخليفة وقطع رأسه والاستيلاء على القصر، وكان للشيعة دور كبير وخصوصا العلقمي في إنجاح هذه المهمة، ووصل الهوان بالمسلمين الى أن استحبوا الذل والهوان على الجهاد والنضال، وآثروا حياة العبودية على الحرية، إلى أن قيض الله لهذه الأمة مجاهدا وقائدا قاد الأمة الى النصر والعزة الا وهو سيف الدين محمود قطز، ومرة أخرى خرجت الأمة من النفق المظلم منتصرة شامخة تواصل المسير.
واليوم تتعرض الدعوة الاسلامية المعاصرة لضربات قاسية من القوى المعادية للمشروع الاسلامي، وبدأ هذا المشرع بعد القضاء على ما تبقى من السلطنة العثمانية، ولم يبق للإسلام كيان، هذا المشروع هو مشروع العودة إلى الإسلام من جديد، مشروع النهضة وإثبات الذات، مشروع تحرير الشعوب من هيمنة الاستعمار والمدنية المادية الإلحادية، مشروع سيادة الأمة واستقلالها، مشرع العودة إلى المنهج الرباني الإسلام. هذا المشروع ظهر في أسلوب جماعات إسلامية مثل: الاخوان المسلمون في مصر والعالم العربي بقيادة الامام الشهيد حسن البنا، والجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية بقيادة العلامة ابو الأعلى المودودي، وجماعة النور بتركيا بقيادة الاستاذ بديع الزمان سعيد النورسي، وفي أسلوب شخصيات علمية وأحزاب سياسية وحركات جهادية مقاومة ضد الاستعمار والاحتلال، وقفوا جميعا في وجه جاهلية القرن، وهيمنة الباطل، ورغم المحن والشدائد واصلوا الطريق، وأعادوا إلي الأذهان مجد الأوائل، وأحيوا في النفوس سيرة السلف الصالح، ولذلك اتفقت كل القوى المعادية للإسلام والمسلمين على حربهم وإبعادهم عن الساحة، ظنا منهم أنهم يستطيعون القضاء على المشرع الإسلامي وأنهم يقدرون على إطفاء نور الإسلام، ولكن سنة الله في الدعوات : {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)[ المجادلة] وعن معاوية رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذلك» البخاري (3641) ومسلم (1037). ونعلن صراحة مدوية أن المستقبل لهذا الدين وأن التمكين للمشرع الإسلامي رغم كيد الكائدين ورغم تكالب الأعداء والخونة والمجرمين !.

Bu yazıya yorum bırakmak ister misiniz?